- This topic is empty.
Viewing 1 post (of 1 total)
-
AuthorPosts
-
May 7, 2025 at 4:32 pm #14055
كبير المدربين العرب موفق اراكيلي
Keymasterالملاك جبرائيل: رؤية باطنية وروحانية معمّقة
مرتبة جبرائيل بين الملائكة في الباطن والظاهر
يحتلُّ الملاك جبرائيل مكانةً رفيعة في التراث الديني؛ فهو في الظاهر أحد كبار رؤساء الملائكة ورسول الوحي الإلهي إلى الأنبياء. تذكر النصوص اليهودية والمسيحية القديمة أنه واحد من الأربعة الملائكة العظام إلى جانب ميخائيل ورافائيل وأوريئيل (أو إسرافيل)، وأحيانًا يُعدُّ من السبعة الأرواح المقدسة المقربة من العرش
. يُروى في التراث أن جبرائيل يجلس عن يسار العرش الإلهي مقابل ميخائيل عن يمينه
، مما يرمز لدوره التكاملي مع ميخائيل في إدارة المهام السماوية. أما في النظرة الباطنية الإسلامية، فتتجاوز مرتبته التصور الشائع؛ إذ يصوره محيي الدين ابن عربي كأول الموجودات الروحية وأعظم الملائكة مقامًا. ففي الفتوحات المكية يصف ابن عربي “الروح المحمدي” أو الروح القدس، الذي هو جبرائيل، بأنه العقل الأول الصادر عن ذات الحق
. هذا العقل الأول خُلق في حالة انفعال محض ثم مُنح قوة الفعل الخلّاق بوصفه مبدأ الإبداع الإلهي
. أي أن جبرائيل في الباطن هو مبدأ الفكر الكوني الأول وحامل اسم الله الأعظم “الرحمن”
، مما يجعل مرتبته سامية تعلو جميع الملائكة الأخرى من حيث الأصل والمنشأ. ويوافق عبد الكريم الجيلي (الجيلاني) على هذا الفهم حينما يشير إلى جبرائيل بوصفه روح الله الأمين، وأنه الوسيط الأول بين الذات الإلهية والعالم
. في الكتابات الإشراقية للفيلسوف شهاب الدين السهروردي، يُرمز لجبرائيل أحيانًا بطائر الـسيمرغ الخرافي الجالس على شجرة طوبى في قمة العالم، إشارةً إلى علوّ مرتبته واتصاله بعالم النور الأعلى. وهكذا نرى أن ظاهر النصوص يضع جبرائيل في مصاف رؤساء الملائكة، في حين يكشف باطنها الصوفي عن كونه العقل الكلي الأول وروح الرحمة الإلهية الفوّاضة على الوجود. ضمن التصوف اليهودي (القبّالة)، يرتبط جبرائيل أيضًا بموقع أساسي في شجرة الحياة. تُحدّد القبّالة كل رئيس ملائكة بصفة كونية معينة؛ فغالبًا ما يُقرَن جبرائيل بسفيرة “يسود” (الأساس)
، وهي السفيرة التاسعة التي تمثل نقطة الاتصال بين العوالم العلوية والعالم المادي. هذا الاقتران يعني أن جبرائيل يُنظر إليه كقاعدة الوصل التي تتدفق عبرها الطاقة الإلهية نحو العالم السفلي. كما يُعتبر مع ميخائيل ثنائياً يعمل في حضرة الله ويدبّر شؤون الخلق كجزء من “مجلس السماء”
. ومن الجدير بالذكر أن بعض روايات القبّالة تصفه بأنه حارس خزانة الأرواح في الجنة؛ حيث يأخذ الأرواح الجديدة من شجرة الأرواح السماوية لينزلها إلى المواليد
. هذه الصورة الباطنية تتوافق مع دوره كوسيط بين عالم الأرواح والبشر. في المقابل، يظهر جبرائيل في التصنيفات الملائكية المسيحية التقليدية كواحد من فئة رؤساء الملائكة (التي هي مرتبة قبل الأخيرة في مراتب الملائكة التسعة عند القديس ديونيسيوس). لكن حتى ضمن التراث المسيحي الباطني، له أدوار خاصة تشير لعلو شأنه؛ فقد ذكر أوريجانوس مثلاً أنه “ملاك القوات” الموكل بسلطان الحروب الروحية
. على هذا فإن مرتبة جبرائيل تجمع بين كونه رسولا أمينا مقربًا (ظاهرًا) وكونه العقل النوراني الأول المفيض للحياة (باطنًا)، ما يكسبه مقامًا فريدًا في سلم الكائنات الملكوتية.
علاقته بالأعداد والهندسة المقدسة والذبذبات
يُحيط بجبرائيل هالة من الرموز الرقمية والهندسية في كثير من أنظمة الحكمة الخفية. اسم “جبرائيل” نفسه يحمل معاني ودلالات رقمية؛ ففي اللغات السامية يعني الاسم “جبروت الله” أو “قوة الله”، كما يُفسَّر أيضًا بـ”رَجُلُ الله” إشارةً إلى تجسيد القدرة الإلهية في هيئة ملك
. هذه القوة الإلهية المنسوبة إليه ترمز إليها بعض التقاليد بالأرقام المقدسة: فحساب الجُمَّل للاسم في العربية أو القيمة العددية للحروف العبرية للاسم (גבריאל) يعطي رقمًا له اعتبارات خاصة عند المشتغلين بالتصوف العددي، حيث يرون فيه مفتاحًا لسر قوته. على سبيل المثال، مجموع قيمة حروف “جبرائيل” في حساب الأبجد = 246، وبعضهم يربط ذلك بدلالات الكمال (2+4+6=12) أو يُسقطه على دوائر فلكية معينة تخص القمر وليلة القدر. ومع أن هذه التأويلات تختلف بين مدرسة وأخرى، فإن الفكرة العامة هي أن الاسم بذاته مفتاح يحمل ذبذبة روحية عالية يمكن استخدامها في الطلاسم والأوفاق لاستحضار مدد الملاك. أما الهندسة المقدسة المتصلة بجبرائيل فتتجلى في الرموز البصرية المرتبطة به. تقترن صورة جبرائيل أحيانًا بشكل الدائرة أو الهالة النورانية التي تُرسم حول رؤوس الملائكة في الأيقونات المسيحية، وهي إشارة إلى الكمال والإحاطة الروحية. كذلك يظهر في بعض الفنون الباطنية حاملاً الكرة أو الجlobus cruciger (كرة تتوجها صليب) كما في الأيقونات البيزنطية، وهي رمز للعالَم الذي يحكمه الأمر الإلهي
. يرى مفسرو الرموز أن جبرائيل بصفته رسول الوحي يمثل نقطة الاتصال المركزية التي يمكن تشبيهها بمركز الدائرة التي تشع منها الأنوار إلى المحيط. ومن هذا المنطلق، ربط بعض الإشراقيين بين جبرائيل وبين نقطة البؤرة الهندسية التي ينبثق منها الخلق. يبرز السهروردي تشبيهًا فريدًا في قصته الرمزية «حفيف أجنحة جبرائيل»؛ حيث يصوّر اهتزاز جناحي جبرائيل كأنه الصوت الأصلي الذي تولَّدت منه الموجودات
. فوفق هذا التصور الإشراقي، الحركة الجناحية للملاك – وهي حركة هندسية وإيقاعية – أخرجت الأكوان إلى حيز الوجود بصوت أشبه بنغم كوني. إن هذه الرؤية تجعل من جبرائيل مبدأً للاهتزازات الأولى أو الكلمة الخلاقة التي على إيقاعها تنتظم هندسة الكون. ولا عجب أن يرتبط البعد الذبذبي لجبرائيل أيضًا بفكرة النفخ في البوق يوم القيامة؛ ففي المرويات أن جبرائيل أو نفحه سيزلزل الوجود فينهي دورة ويبدأ أخرى
، مما يشير إلى قوته في إطلاق ذبذبة كونية فاصلة بين الظلمة والنور. وفي سياقٍ آخر، اهتم بعض مريدي الثيوصوفية والتيار الـنيو إيج الحديث بالجوانب الذبذبية والهندسية للملاك جبرائيل. فهناك من يربط جبرائيل بشعاع معين من أطياف النور أو موجة تردد روحية. بعضهم يسمّي هذا “الشعاع الأبيض” أو “شعاع النقاوة” الذي يحمل ذبذبات عالية؛ إذ يعتبرون الملاك جبرائيل تجسيدًا للنقاء الإلهي
وبالتالي يهتز اسمه وتردده مع ترددات الصفاء والوضوح. تُذكر هندسة زهرة الحياة أو النجمة السداسية أحيانًا كرمز لهيمنة الملائكة على قوانين الهندسة الكونية، وإن لم يُربط جبرائيل تحديدًا بشكل هندسي واحد في التراث المعروف، إلا أن حضوره يرتبط بمفاهيم التناسق والتوازن. يشير بعض رواد الميتافيزيقا الغربيين إلى أن الهندسة المقدسة في الأيقونات – كالخلفيات المذهّبة المتناسقة في الرسم البيزنطي – تهدف إلى إبراز الدور الروحي للملاك. في أيقونة فاتوپيدي الشهيرة (من القرن الرابع عشر) للملاك جبرائيل، نرى خلفية من أوراق الذهب مضروبة بشكل إشعاعات دائرية تمثل الأنوار الإلهية المتجلية بشكل هندسي
. وهكذا، سواء عبر الأعداد أو الأشكال أو الأصوات، يُنظر إلى جبرائيل في العرف الباطني على أنه مفتاح لضبط التناغم بين السماء والأرض، والواسطة التي تحمل في ذاتها شفرة الخلق اهتزازًا ونغمًا وهندسةً.
دوره في التواصل بين العوالم وتأثيره على الجن والإنس
يؤدي الملاك جبرائيل دورًا جوهريًا كوسيط بين عالم الغيب وعالم الشهادة في شتى التقاليد. فهو سفير العناية الإلهية الواصل بين السماء والأرض، ولذلك لُقِّب في الإسلام بـ«الروح الأمين» لوظيفته في حمل الوحي من حضرة الأمر إلى قلوب الأنبياء. إن قصة نزول القرآن نفسها تبدأ بنداء {اقرأ} الذي بلغه جبرائيل للنبي محمد في غار حراء، مما جعل منه حلقة الوصل الأولى بين الله والبشر في الرسالة الخاتمة. وبالمثل في المسيحية، مثّل جبرائيل صلة الوصل في أعظم حدثين: بشارته لزكريا بولادة يحيى (يوحنا) ثم البشارة للعذراء مريم بحملها المسيح
. هذا الدور الاتصالي تكرر عبر التاريخ الديني في مواضع شتّى، مما رسّخ صورته كـ**”ساعي البريد السماوي”** بين العوالم. لكنه في المنظور الباطني أكثر من مجرد ناقل رسائل؛ إنه القوة التي تُهيِّئ الوعي البشري لتلقّي الإشراقات. يؤكد ابن عربي أن جبرائيل هو روحانيّة محمدية تسكن أفق الخيال الخلاق، يتلقى منها الأولياء الإلهامات والمعارف الإشراقية كما تلقى الأنبياء الوحي الصريح
. أي أن لديه قدرة على إيصال المعاني من العقل الكلي إلى العقول الجزئية عبر برزخ الرؤى والأحلام والحدس. ولا غرو أن كثيرًا من الصوفية ذكروا حصول مكاشفات لهم بحضور روحانيات ملائكية كان لجبرائيل النصيب الأوفر منها، كونه روح الوحي والتعليم. على صعيد تأثيره على الجنّ وسكان العوالم الخفيّة، يحضر اسم جبرائيل كقوّة عليا تخشاه الأرواح السفلية. تروي بعض الأخبار الإسلامية أن النبي محمد ﷺ تعرض لمحاولة أذى من عفاريت الجن، فجاءه جبرائيل يعلّمه كلمات التحصين
. وفي حديث الإسراء أنه لما اعترض طريق النبي عفريت من الجنّ ليشعل عليه نارًا، تكفّل جبرائيل بإخماد نار ذلك المارد وحفظ النبي من شرّه
. إن هذه الروايات وغيرها تُظهر سطوة جبرائيل على مردة الجن، فهو الذي ينزل بالتعويذات الربانية التي تقهرهم. ويذكر التراث الروحاني الإسلامي أيضًا أن تلاوة بعض الآيات القرآنية (كآية الكرسي) أو الأدعية المنسوبة إلى جبرائيل كفيلة بطرد الشياطين من المنازل والأبدان
. وقد نسبت بعض أوراد الرقية الصوفية إليه، مثل دعاء يُروى أن جبرائيل لقّنه للنبي ليدفع به كيد الجن: «بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك…» إلخ. فكانت النتيجة حماية إلهية فورية. كذلك في الموروث الشعبي، البخور الجبرائيلي مصطلح يُطلق على نوع من التعويذات أو البخور الروحاني الذي يُعتقد أنه يحضر مددًا من الملاك لإزالة الطاقات السلبية والأرواح المؤذية من المكان. وفي القبّالة اليهودية، يُعتبر جبرائيل حارسًا لعالم يسود (الأساس) كما سلف، ووظيفة يسود هي الربط بين العوالم العليا وعالم الملك (عالمنا المادي). من هذا المنطلق يُرى جبرائيل كمسؤول عن نزول التأثيرات الروحية إلى الأرض، بما فيها حركة الملائكة الأصغر والجن (حيث إن اليهودية تؤمن بوجود أرواح أدنى شبيهة بالجن). حتى أن بعض الأساطير القبّالية تصفه بأنه حارس أبواب الجنة والنار معًا، فهو الذي يقود أرواح الأبرار للفردوس ويزجر أرواح الأشرار إلى الجحيم، مما يمكن اعتباره دورًا فاصلًا بين عوالم النور والظلمة. أما في التراث السحري الغربي (الهرمتي) فيظهر اسم جابرييل في طلاسم استحضار الأرواح كشخصية ذات سلطان على الأرواح السفلية. فعند القيام بطقوس دائرة السحر لطرد كيان شرير، غالبًا ما تُتلى أسماء رؤساء الملائكة الأربعة، ويُذكر: “أمامنا جبرائيل!” طلبًا لحضوره في الجهة الغربية من الدائرة لحمايتها. إن حضور اسمه يبعث ذبذبة نورانية تطرد الكيانات السفلية التي لا تحتمل النور الإلهي. وقد وثّقت مخطوطات سحرية من العصور الوسطى، وبعضها محفوظ في مكتبة الفاتيكان، استخدام ختم الملاك جبرائيل في ختم القارورة التي تُحبس فيها الأرواح الشريرة أثناء طقوس إخراجها. لكل ذلك، يُنظر إلى جبرائيل كأنه جسر حيّ بين العوالم: فهو الذي يحمل رسالة السماء إلى الأرض، ويصعد برجاء الأرض إلى السماء، فلا يُذكر اسمه في أي حضرة إلا وفُتحت قنوات الاتصال الروحي واندحرت العوارض المظلمة التي تسد الطريق.
حروبه الروحية وسلطته في طرد الظلمات والكائنات السفلىأيقونة بيزنطية تصور الملاك جبرائيل (القرن الرابع عشر) حاملاً رمحًا وصليبًا وهو يبسط جناحيه فوق كائنات سفلية مهزومة؛ تجسيدٌ رمزي لسلطانه في الحرب الروحية ضد قوى الظلام.
لا يقتصر دور جبرائيل على التبشير السلمي بالنور؛ بل يصوَّر أيضًا كمحارب روحي يخوض معارك ضد قوى الشر والظلام. في التقليد المسيحي، اشتهر الملاك ميخائيل بأنه قائد جيوش السماء في قتال إبليس، إلا أن لجبرائيل أيضًا نصيبًا من صورة المقاتل السماوي. تصوِّره بعض النصوص الغنوصية كملاك العدالة المنتقم، مسلحًا بسيفٍ وقوس يقاتل بهما أرواح الظلمة. في هذه النصوص يُدعى لجبرائيل أن يتقدم لقتال الشياطين كونه حامل ميزان العدل الإلهي. حتى أنه يُدمج رمزيًا بالمسيح أحيانًا، كما في بعض كتابات الفرق الغنوصية التي رأت أن جبرائيل ما هو إلا تجسيد لكلمة الله القاضية على قوى الشر
. أما في الأدبيات اليهودية خارج الكتاب المقدس (مثل كتاب أخنوخ الثاني ورؤيا موسى) فيوصف جبرائيل بأنه الذي له **”سلطان على جميع قوى الشر”*
. فهو الذي يقيّد الشياطين ويعاقب الأرواح المتمردة ويطاردها إلى جحيمها. وتذكر تلك النصوص أن من مهامّه معاقبة الطغاة والمنافقين في الدنيا والآخرة
، مما يجعله سيفًا للحق يُصلِح به الله فساد المارقين. وفي التراث الإسلامي، ورغم أن القرآن لا يذكر معارك مباشرة لجبرائيل، إلا أن التفاسير تروي ظهوره في غزوة بدر الكبرى مع جمع من الملائكة يقاتلون إلى جانب المسلمين؛ فقيل إن النبي ميّزه ببُعد نظره على فرسه حاملاً راية صفراء. كذلك يُحكى أنه في معركة الخندق ظهر بهيئة دحية الكلبي ليبشّر بالنصر. هذه الروايات (وإن كانت في بعض تفاصيلها أخبارًا غير قطعية) تعزز صورة جبرائيل كقائد ملائكي في ميادين القتال عند الحاجة. إن أكثر ما يتجلّى فيه سلطان جبرائيل على قوى الظلام هو قدرته على الطرد والوقاية. فقد عُرف عنه أنه الملاك الذي لا تقوى عليه الشياطين. كتب أوريجانوس في تفسيره أن جبرائيل بصفته ملاك فئة القوى (أي الملائكة ذوي السلطان) قد أوكل إليه قمع الحروب وإخماد النزاعات
. وأشار إلى أن جبرائيل “له سلطان على الحروب” أي على مُسبِّبيها من الشياطين، فيستطيع وقف تأثيرهم
. ولعل هذا ما فسّر إقدام الكنيسة في العصور القديمة على الابتهال باسمه في صلوات طرد الأرواح. صحيح أن الملاك ميخائيل هو شفيع طقوس التقسيم (أي التعزيم لطرد الشيطان) في التقليد الكاثوليكي، لكن هناك صلوات وابتهالات خاصة باسم جبرائيل أيضًا، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بطلب الهداية وكشف الخداع الشيطاني. فكون جبرائيل ملاك البشارة والنور يجعله خصمًا لدودًا لقوى الخداع والظلمة؛ حضوره يكشف الحقيقة ويبدد الأوهام الشيطانية. العديد من المخطوطات السحرية وعلم التعزيم الأوروبي تضمنت خاتمًا أو ختمًا لجبرائيل يُنقش على تميمة أو خاتم معدني يرتديه الممارس للحماية أثناء استحضار الأرواح، ظنًا أن توقيع الملاك الشريف هذا يرعب الشياطين ويكبح جماحها. وفي مفتاح سليمان – وهو من أشهر كتب السحر – ورد أن ملاك القمر (جبرائيل) يُستحضر ليلة الإثنين للتأثير على الأرواح المائية وطرد الأرواح العاصية، وذُكر اسمه في تعازيم لحبس الأرواح في مثلث المرايا. كل ذلك يؤكد الصورة التقليدية: جبرائيل مقاتل نوراني، يخوض حروبه بالروح لا بالجسد، سلاحه النور والإعلان الإلهي، يسلطه لكشف وقتل جراثيم الظلام. وعليه، صار رمزًا لطرد الظلمات بكل معانيها: الظلمة الحسية (كالليل حين يطلع الفجر الذي حمل نوره أول مرة في ليلة القدر
)، والظلمة المعنوية (كالجهل حين أنزل العلم، أو الشرّ حين حمل بشائر الخلاص). إن سلطان جبرائيل على الكائنات السفلية يظهر جليًا في الصور الفنية أيضًا؛ فكثير من الأيقونات تصوّره واقفًا على تنانين أو شياطين مقيدة تحت قدميه، أو ممسكًا بحربة يغرسها في كيان شيطاني، بما يشابه صور القديس ميخائيل. هذه الرسومات الرمزية تعكس إيمان المؤمنين بأن نور جبرائيل كفيل بهزيمة أبالسة الظلام أينما حلّ.
طقوس استدعائه وألوانه وأوقاته ومفاتيح اسمه وخواصه
لقد استرعى الملاك جبرائيل اهتمام الممارسات الروحانية على مرّ العصور، فتطورت حوله تقاليد من الاستحضار والتوسل طلبًا لمعونته وهدايته. في التصوف الإسلامي، ليس من الشائع استحضار الملائكة بصورة طقسية كما في السحر، لكن عُرف عن بعض الأولياء مناجاتهم لجبرائيل في خلواتهم. فمثلاً يحكي السهروردي بإسلوب رمزي عن لقائه الروحي بجبرائيل في عالم المثال لاستلهام الحكمة الإشراقية. أما العلوم الروحانية الشعبية في الثقافة الإسلامية (كالمنامات والتوجهات الروحية)، فقد وضعت أدعية خاصة يُزعم أنها تستنزل مدد جبرائيل. من ذلك ما يُروى من حرز جبرائيل المنقول عن الإمام عليّ كرم الله وجهه، وهو دعاء يتوسل فيه بالقوى angelية الحارسة. كما اشتهر بين بعض الروحانيين قسم الملائكة السبعة الذي يُقسم فيه المستحضر على كلٍ من جبرائيل وميكائيل… إلخ بحق عظمتهم أن يحضروا لمعونته. هذه الطرق – إن صحت نسبتها – تدل على إيمان الناس بأن التواصل مع جبرائيل ممكن عبر الأذكار والأوراد المباركة، خصوصًا في الأوقات المخصَّصة للملائكة. فالليل قبيل الفجر (وقت السحر) يُعتقد أنه أنسب وقت لتواصل الأرواح الملكوتية مع البشر، لذا ينصح السالكون بالسهر في الذكر آنذاك عسى أن يمرّ بهم طيف ملكي. ولا يُنسى هنا ليلة القدر، حيث جاء جبرائيل لأول مرة، فصارت بحسب الوعد القرآني ليلة تنزُّل الملائكة والروح، مما يعني حضورًا جبرائيليًا كل عام يتنزّل بالسلام حتى مطلع الفجر. في التقاليد الخفية الغربية وكتب السحر (Grimoires), نجد وصفًا دقيقًا لطقوس استدعاء جبرائيل وخصائصه. فعلى سبيل المثال، يذكر كتاب ساعات الكواكب السبعة أن يوم الاثنين (حكمه القمر) مخصص للملاك جبرائيل. لذا، فإن الساحر الذي يود استحضار روحانية جبرائيل يقوم ليل الأحد/الاثنين عند ساعة القمر (غالبًا منتصف الليل أو السحر) برسم دائرة بالطباشير، ويكتب على جهاتها الأربعة أسماء الملائكة الحفظة، ويخص جهة الغرب باسم “Gabriel”. يرتدي المُعزم ثيابًا بيضاء نقية رمزًا لطبيعة جبرائيل الطاهرة
، ويبخّر المكان بمستخلصات القمر كالقمح الأبيض أو خشب الصندل. ثم يتلو عبارات لاتينية مثل: «بحق جبروت اسمك يا جبرائيل وباسم القادر الذي أرسلك، أجب دعوتي وكن معي». عندئذٍ، وفق ما تزعم تلك الكتب، تحضر روحانية الملاك في شكل نور فضي أو في هيئة رجل جميل الملامح يلبس البياض. ومن علامات حضوره نسمة باردة عطرة أو سماع حفيف أجنحة. وإذا نجح الاستحضار، يطلب المُمارس من جبرائيل ما يشاء: علماً أو إلهاماً أو حماية. ولجبرائيل مفاتيح اسم خاصة به في السحر؛ إذ يُرسم ختمه كنجمة خماسية تتوسطها حروف اسمه بالعبرية או السريانية محيطة بدائرة القمر. هذا الختم يُحمَل كتعويذة للحماية أو يُنقش على أوانٍ تُستخدم لاستحضار الأرواح المائية، إذ أن عنصر الماء مرتبط به عنصرًا وسلطانًا. ولعل ذلك لصلة جبرائيل بالقمر والمدّ والجزر، وكذلك لرابط رمزي بينه وبين ماء الوحي الذي يروي الأرواح. أما ألوانه الشعاعية، فقد اختلفت حسب المدارس الروحية: تقليديًا يُنسب إليه اللون الأبيض الفضّي (لون نور القمر الصافي)
، وكذلك الأزرق الفاتح كلون السماء قبيل الفجر. في فنون عصر النهضة الأوروبية، كثيرًا ما رُسم جبرائيل برداء أبيض أو أزرق أثناء بشارته لمريم. وتضيف معتقدات الـنيو إيج لونًا آخر هو البرتقالي الذهبي أو النحاسي، ظنًا بأن جبرائيل يحمل شعاع الإبداع الذي يلهم به الكُتّاب والفنانين (لارتباطه بفن الخطابة والكتابة منذ أن أملى الوحي). من جهة أخرى، تربط بعض الفرق الميتافيزيقية جبرائيل بأشعة معينة ضمن “الأشعة السبعة”: فمثلاً تعتبره حركة العصر الجديد رئيس الملاك على الشعاع الرابع (شعاع الصفاء والنقاء) ولونه الأبيض
، وتشير إلى أن له توأمًا أنثويًا يسمى “الأم الأمل” (Hope) يمثل معه مبدأ الأمل والتطهير
. وعليه يُقال إن هذين الشعاعين (الأبيض والأخضر المزرق) هما تردداته الضوئية. إن خواصّ جبرائيل الروحية كما يذكرها العارفون عديدة، وأبرزها: النقاء، والرحمة، والهداية، والإلهام، والحماية أثناء الطفولة. فهو في الوجدان الديني ملاك البشارة السعيدة، وبالتالي ارتبط بدعم الحوامل والأمهات (كونه بشّر مريم بولادة المسيح) وبمساعدة الأطفال وحديثي الولادة. كثيرًا ما يُدعى باسمه لحفظ المواليد الجدد وإلهام أسمائهم (حتى أن اسم “جبريل” نفسه يُختار للمولود تيمّنًا بالملاك ليصحبه حظه). ومن خواصه أيضًا الإلهام الفني والمعرفي؛ فالمؤمنون يرونه رسول الوحي، ليس للأنبياء فقط بل لكل ساعٍ إلى نور المعرفة. لذلك؛ يستحضر بعض الأدباء والفنانين طيف جبرائيل قبل الشروع في أعمالهم أملاً في نفحة إلهام. تحكي الكاتبة الإنجليزية هيلين بلافسكي (مؤسسة الثيوصوفية) أنها أثناء تأليفها كتاب العقيدة السرية كانت تشعر بحضور كيان نوراني يلهم أفكارها، وآمنت أنه الملاك جبرائيل يرشدها لتكشف الأسرار. وفي تقاليد السحر الغربي، يُنسب إلى جبرائيل حكم القرين الحارس لكل إنسان؛ إذ يُعتقد أنه المشرف على عملية المولد الروحي لكل نفس بشرية عند نزولها إلى الدنيا
، فيرافقها كمرشد خفي حتى الممات. هذه الخاصية مستوحاة من وصفه في الكتب المنحولة بأنه حاضر عند ساعة الموت ليُطمئن الأرواح البارة ويرعب الأرواح الآثمة
. وبناءً عليه صار رمزًا لحسن الخاتمة. في مجمل الأمر، لجبرائيل مفاتيح روحية تُفتح بها أبواب البركة: اسمه، وذكره، ولونه، ويومه، ورموزه؛ جميعها عناصر ضمن أدوات فن التعامل مع الملائكة لدى السحرة والروحانيين.
الرموز المرتبطة به في مختلف الثقافات والأنظمة السرية
يحظى الملاك جبرائيل بتعددية رمزية عبر الثقافات، إذ ترك بصمات في المخيال الديني والفني لأنظمة روحية شتى. في الديانة المسيحية، أشهر رموزه هو زهرة الزنبق البيضاء التي كثيرًا ما تُصوَّر في يده عند مشهد البشارة للعذراء مريم. فالزنبق رمز النقاء والطهر، وهو يشير إلى رسالة جبرائيل التي جلبت أنقى بشرى (تجسد المسيح) إلى أنقى امرأة. كذلك يُرمز له أحيانًا بـالبوق أو النافخ، خصوصًا في الفن الغربي خلال تصوير يوم القيامة؛ حيث يعتقد كثيرون أن جبرائيل سينفخ في البوق إعلانًا للبعث (رغم أن التقليد الإسلامي يُسند النفخ إلى إسرافيل). هذا البوق أصبح أيقونة عامة تُشير للملاك الذي يعلن الأخبار العظيمة، واستعارته الثقافة الشعبية كإشارة للإنذار الإلهي. وفي الفن الأرثوذكسي الشرقي، كثيرًا ما يُرسم جبرائيل حاملاً صولجانًا أو عصا، بوصفه رسولًا ملكيًا يحمل أمر الملك العظيم. نراه في الأيقونات البيزنطية بملامح شاب وسيم مجنّح، يعتمر هالة ذهبية ويقف وقورًا، ممسكًا بصولجان الرسالة في يد وبكرة أو لفافة (رمز الكلام الإلهي المكتوب) في اليد الأخرى
. وفي بعض الأيقونات يحمل كرة زجاجية أو بلورية عليها علامة (مثل حرف X أو صليب)
، ترمز لسلطانه تحت إرادة المسيح العادل
. هذه الرموز البصرية أصبحت كودًا مفهومًا: فأي ظهور لملاك مجنّح مع زنابق أو بوق يعني فورًا “جبرائيل”. على الجانب الإسلامي، الرموز المرئية للملائكة قليلة بسبب التحفظ في التصوير، لكن اللون الأخضر غالبًا ما ارتبط بالملائكة في المخيال الإسلامي، بناءً على وصفهم في بعض الأحاديث يرتدون ثيابًا خضراء أو عمائم خضر. وجبرائيل بالذات جاء وصفه في الحديث في ليلة المعراج بأن له ستمائة جناح كالهول، قد ملأ الأفق، وأنه اقترب من النبي حتى كان كأنه “دنوُّ الهوِيِّ” (أي مثل قوسين)
. هذا المشهد جعل الهلال (كقوس) والجناح المنتشر علامتين في التراث الفني الفارسي والتركي على حضور جبرائيل. فنجد في المنمنمات الإسلامية رسمًا لنبي الإسلام مع طائر كبير أو ملاك له أجنحة عظمى تغطي الأفق أثناء تلقيه الوحي، في إشارة ضمنية للملاك جبرائيل دون تسميته. أيضًا، استخدمت الأختام الروحانية الإسلامية رموزًا كتابية لجبرائيل: فرسم اسمه بالحروف المفرقة (ج ب ر ي ل) أو بأشكال هندسية في الطلاسم كان يعد تعويذة قوية. وبعضهم كان يرسم حول الاسم شكل نجمة ثمانية إشارةً إلى أنه ملك ثامن أبواب الجنة. وفي ثقافات أخرى، يظهر جبرائيل وإن اختلفت الأسماء. في التراث الزرادشتي الإيراني هناك الكائن الروحاني “وهومن” (فوهومنة) أي الفكر الصالح أحد كبار الملائكة السبعة، والذي رأى بعض الباحثين أنه يقابل جبرائيل في الوظيفة
. فكلاهما يحمل رسالة الخير ويقف بجانب قوات النور ضد الظلمة. وكذلك في المندائية (ديانة قديمة في العراق) يُذكر ملاك يسمى جبرييل كأحد الأنوار العلوية. وفي الماسونية والتنظيمات السرية الغربية، قد لا يُذكر جبرائيل علنًا لكنه مشفّر في الرموز. فعين العناية الإلهية (العين المشعة في المثلث الشهير على الدولار الأمريكي مثلًا) تُفسَّر لدى البعض على أنها رمز للروح القدس الملاكـي – أي جبرائيل – الذي يراقب البشرية
. حيث يرون أن جبرائيل هو “العين الساهرة” الحافظة للوحي والأنبياء عبر العصور، تمامًا كما أن العين في المثلث ترمز للإشراف الإلهي. وبغض النظر عن صحة هذا التأويل، فإن الأنظمة الباطنية السرية كالصليب الوردي وطلبيات الفجر الذهبي أولت اهتمامًا لرموز رؤساء الملائكة جميعًا. فلكل رئيس ملاك خاتمٌ أو شعار: فجبرائيل لديه sigil خاص (ختم سحري) عبارة عن خطوط متقاطعة بشكل هندسي على هيئة حرفٍ لاتيني قديم، يستخدم في الدوائر السحريةt
. كما نسبت بعض التقاليد إليه حجرًا كريمًا معينًا كرمز لطاقته؛ فالبعض يربطه بحجر الـالقمر أو الـسيترين الأصفر لدلالة الوضوح والتواصل. كلُّ هذه الرموز – البصرية والحجرية واللفظية – تهدف لإيجاد صلة حسية مع الملاك، فتجعل حضوره أكثر واقعية في الطقس أو التأمل. ولا يفوتنا ذكر الرموز الشعبية والأسطورية المتصلة بجبرائيل. ففي الثقافة العربية، أصبح اسم جبرائيل نفسه رمزًا لأي رسول سريع خبر؛ فيقال فلان “جاءنا كأنه جبرائيل بالبشارة”. وكذلك كنية أبي قِسْم في بعض الأشعار القديمة يُقصد بها جبرائيل (لأنه قسّم الوحي قسمًا قسمًا). وفي الأدب الفارسي، نجد الشاعر الرومي يجعله رمز الإلهام الشعري؛ إذ يقول ما معناه: “لي في صدري جبرائيل يُملي عليّ الأشعار”. كما أن اللون الأبيض في الرؤى والمنامات يُعد رمزًا لجبرائيل، فمن رأى كائنًا نورانيًا أبيض في حلمه يبلغه رسالة حق، عدّه البعض إشارة لأن المبلِّغ روحاني من جنود جبرائيل. هكذا تداخلت الرموز حتى بات جبرائيل أيقونة كونية شاملة: طائر نوراني، وريح قدس، وعين إلهية، وزهرة نقاء، وبوق يقظة، وجناح رحمة، وسيف عدالة؛ كلها صور مختلفة لوجه واحد هو وجه الرسول الملكوتي. وفي النهاية، تبقى حقيقة جبرائيل الروحانية أسمى من كل رمز، لكنه يتلطف لنا بقبول هذه الأيقونات ليقرب إلى الأذهان سره ومقامه لمن يتأمل ويطلب المعرفة الباطنية. فالرمز طريق، وجبرائيل هو الدليل الذي يُفضي من عالم الرمز إلى عالم الحقيقة حيث صوت الأجنحة المقدسة يصدح بوحيٍ جديد في قلب كل سالكٍ للأنوار. المصادر: ابن عربي، الجيلي، السهروردي – كتابات القبّالة والزوهار – مخطوطات روحية مسيحية (أخنوخ ورؤى أخرى) – دراسات حديثة في الميتافيزيقا الغربية
وغيرها.تم توثيق هذه المعلومات بعد مراجعة مصادر عالمية مرموقة، مع توظيف تقنيات متعددة من الذكاء الاصطناعي لتحقيق أعلى درجات الدقة في التحليل والمعالجة.
أُنجز البحث والتأليف والتدقيق العلمي بإشراف المعلم الأكبر موفق أراكيلي، لضمان أقصى درجات الموثوقية والمهنية.
🌍
Diese Informationen wurden auf Grundlage renommierter internationaler Quellen dokumentiert und unter Einsatz fortschrittlicher KI-Technologien auf höchste Präzision in Analyse und Verarbeitung geprüft.
Die Recherche, Verfassung und wissenschaftliche Validierung erfolgten unter der Aufsicht des Great Grand Master Mouaffak Arakili, um maximale Zuverlässigkeit und fachliche Integrität zu gewährleisten.
🦊: 🤝 شراكة ألمانية – عربية📚 لتقديم أفضل الدورات التدريبية المعتمدة عالميًا
📝 سجّل الآن:
🔗 awg-academy.com
📱 للتواصل عبر واتساب:
📞 491738078328+
💬 انضم لمجموعة النقاش وحوار مع المعلم الاكبر موفق أراكيلي
🔗 تيليجرام mouaffakarakili2@
🔮 تابع توقعات وتوجيهات التطوير على يوتيوب:
🎥 قناة الأكوان
قناة الانستغرام
@Arakilimouaffak
-
AuthorPosts
Viewing 1 post (of 1 total)
You must be logged in to reply to this topic. Login here